انقلاب على الشرعية أم تجنّب لفراغ في الحكم.. كيف مهّد عباس الطريق أمام الشيخ لرئاسة السلطة الفلسطينية

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/30 الساعة 13:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/30 الساعة 13:46 بتوقيت غرينتش
نائب رئيس السلطة الفلسطينية حسين الشيخ / رويترز

خلف الإعلان الدستوري المفاجئ الذي صدر عن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، القاضي بتولي نائبه حسين الشيخ مهام الرئاسة في حال شغور المنصب، حالة من الجدل السياسي والقانوني، وسط اتهامات لعباس بالعمل على تعبيد الطريق للشيخ لترؤس السلطة الفلسطينية في حال شغور المنصب لأي سبب من الأسباب.

عباس لم يكتفِ بذلك، إذ إن الإعلان الدستوري شمل إلغاء إعلان دستوري سابق صدر في 2024، الذي كلّف حينها رئيس المجلس الوطني روحي فتوح بأن يشغل موقعه، ما يعني إبقاءه في منصبه الحالي رئيساً للمجلس الوطني، ومحمود العالول رئيساً لحركة فتح، على أن يبقى منصب رئاسة السلطة الفلسطينية محصوراً بالشيخ فقط، وبدون منافسة.

في هذا التقرير نتطرق إلى خلفيات الإعلان الدستوري وتثبيت حسين الشيخ كبديل "مؤقت" لمحمود عباس، وطبيعة الانتقادات التي وُجّهت لرئيس السلطة الفلسطينية، وجعلت من إعلانه قراراً غير دستوري وتجاوزاً للقانون، وكيف سعى عباس لقطع الطريق على أي منافس آخر لخلافته.

إعلان عباس والضغوط الدولية لإصلاح السلطة الفلسطينية

قبل أيام، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، 90 عاماً، إعلاناً دستورياً، يقضي بموجبه، بأنه إذا شغر مركزه، وفي حالة عدم وجود المجلس التشريعي، يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، نائب رئيس دولة فلسطين، وهو حسين الشيخ، 65 عاماً، الذي يشغل حالياً منصبَي نائب رئيس اللجنة التنفيذية ونائب رئيس دولة فلسطين، مهام رئاسة السلطة مؤقتاً، لمدة لا تزيد على تسعين يوماً.

على أن تُجرى خلال تلك الفترة انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد، وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني، وفي حال تعذّر إجرائها خلال تلك المدة لقوة قاهرة، تُمدَّد بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لفترة أخرى، ولمرة واحدة فقط، على أن يُلغى الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024.

مسؤول فلسطيني مطّلع على حيثيات إصدار الإعلان، ذكر لـ"عربي بوست" أن "عباس حاول شرعنة إعلانه الجديد بمسوّغات دستورية وقانونية، وتحت ذريعة "المصلحة الوطنية العليا"، لكن هذا التطور أتى في ظل ضغوط دولية متزايدة لإصلاح مؤسسات السلطة تمهيداً لعودتها للمشهد بعد الحرب المدمرة على غزة.

ما يعني أن عباس سعى لرسم ملامح مرحلة ما بعده من خلال إعلان دستوري جديد يُحدِّد آلية خلافته في حال شغور منصبه، وهي سابقة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، ويأتي هذا التعديل ضمن ترتيبات داخلية تهدف لضمان انتقال منظم للسلطة في مرحلة حساسة تشهد ضغوطاً لإعادة هيكلة مؤسساتها وتعزيز شرعيتها".

مع العلم أن القانون الأساسي الفلسطيني ينصّ على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي مهام الرئاسة مؤقتاً لمدة 90 يوماً في حال شغور المنصب، لكن إقدام عباس على حلّه في 2018 أدى إلى غياب هذه المرجعية، ما دفعه لإصدار إعلان في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 نصّ على تولي رئيس المجلس الوطني مهام الرئاسة مؤقتاً، وهو روحي فتوح، 75 عاماً.

قبل أن يصدر إعلانه الجديد المثير للجدل، الذي يمنح الشيخ إدارة شؤون الرئاسة مؤقتاً لحين إجراء انتخابات جديدة، دون توضيح ما إذا كان يحق له الترشح للمنصب لاحقاً، بينما تبقى الانتخابات الرئاسية الفلسطينية مقررة عبر اقتراع مباشر في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس، لتؤكد السلطة بذلك انتقالاً دستورياً في واحدة من أكثر المراحل السياسية حساسية في تاريخها.

بات واضحاً أن عباس أصدر مرسومه هذا لتحصين من سيأتي بعده، لأن المرسوم استحدث تغييراً مفاجئاً في الأعراف الدستورية الفلسطينية المتبعة منذ تأسيسها، لأن تحكُّم رجل واحد، وهو عباس، في مفاصل القرار السياسي، يمثل أزمة خطيرة تهدد مبدأ الفصل بين السلطات، خاصة بعد أن تسبب حلّ المجلس التشريعي في إضعاف المؤسسات الرقابية، وساهم في تركز السلطة التنفيذية بيد عباس.

حسين الشيخ ومحمود عباس/ أرشيف
حسين الشيخ ومحمود عباس/ أرشيف

تجنب الفراغ في السلطة أم خدمة لمصالح خاصة؟

زعمت أوساط فلسطينية مؤيدة للإعلان الدستوري أن القرار ضروري وواقعي، ويهدف إلى تجنب أي فراغ في السلطة، وضمان انتقال سلس للقيادة، وقطع الطريق على محاولات داخلية أو خارجية لتشكيل مرجعيات موازية لمنظمة التحرير.

وبرر مؤيدون لعباس وللإعلان الدستوري ذلك بكون المرحلة المقبلة حساسة ومعقدة، ويجب أن يكون على رأس السلطة شخصية ذات وزن سياسي وخبرة ميدانية مثل حسين الشيخ، الذي تزامن تعيينه مع تغييرات واسعة شملت الجهازين السياسي والأمني.

فيما أصدرت حركة فتح، التي يترأسها عباس، ويشغل حسين الشيخ عضوية لجنتها المركزية، بياناً دعمت فيه الإعلان، زاعمة رفضها أي محاولات لتجاوز الشرعية، أو فرض وصاية خارجية، بما يضمن سلطة واحدة وسلاحاً واحداً وقانوناً واحداً، واعتبرت أن الإعلان الدستوري يرفض ما وصفتها بـ"سياسات التفرد"، و"محاولات القفز عن الشرعية الوطنية أو تجاوزها".

لم يكن الإعلان الدستوري مفاجئاً للفلسطينيين، فالشيخ هو أحد أقرب المقربين من عباس، وقاد مفاوضات واتصالات مع الأمريكيين والإسرائيليين والدول العربية في قضايا مصيرية تخص مستقبل السلطة الفلسطينية، ويصفونه بـ"الطباخ الرئيسي" في مقر الرئاسة، وصاحب الحضور القوي في ملفات الأمن والسياسة.

ويحظى برضا الشركاء الدوليين والإقليميين، بمن فيهم الإسرائيليون، وفيما زعمت أوساط إسرائيلية أن القرار اتُّخذ بناءً على طلب أمريكي، نظراً للعلاقات الوثيقة التي تربط الشيخ مع واشنطن، فإنه تزامن مع عمل كبير أمريكي وغربي وعربي من أجل "اليوم التالي" في قطاع غزة.

وقد شهد إعلان عباس ترحيباً إقليمياً ودولياً لافتاً، ما يمكن اعتباره استجابة لضغوطهم التي تأتي في سياق المطالبة بإصلاحات في صفوفها، تمهيداً لاستلام مقاليد الأمور في قطاع غزة، والنظر إلى الإعلان باعتباره خطوة نحو تنظيم المرحلة المقبلة.

ويساهم أيضاً في تفعيل مؤسسات الدولة الفلسطينية، ويرسم ملامح مرحلة انتقالية محسوبة بعناية، تضمن استمرار مؤسسات السلطة الفلسطينية، وتمنح الشيخ موقعاً محورياً في مستقبل النظام السياسي، في وقتٍ تتزايد فيه التحديات الإقليمية، وتتعقّد الملفات الأمنية والسياسية في الضفة وغزة.

بينما أكد خبير في القانون الدستوري لـ"عربي بوست" أن "الإعلان يشكّل انقلاباً على الشرعية الدستورية، واستهتاراً بالنظام القانوني، ونابعاً من سوء تقدير، وافتقار للمسؤولية الأخلاقية والدستورية، ويقطع الطريق على محاولة تشكيل قيادات ومرجعيات أخرى، ويعمل على إعادة إنتاج النظام السياسي القائم بطريقة غير ديمقراطية، وفرض الأمر الواقع، وقطع الطريق أمام الانتخابات وتداول السلطة".

بل يشكّل "تجاوزاً خطيراً للقانون الأساسي، ويحول دون ظهور جيل قيادي جديد يفكر في الانتخابات بوصفها طريقة لتداول الحكم، ويعزّز الفردية والديكتاتورية، ولا يشير إلى صدق النية بإجراء انتخابات، بل يحمل إشارات لا تخطئها العين بشأن الحرص على ضمان المصالح الفردية والعائلية والمقرّبين"، وفق الخبير في القانون الدستوري.

لقد أغفل الإعلان دور المجلس المركزي لمنظمة التحرير، ولم يكن ذلك عن تجاهل، أو نسيان، أو إسقاط أهميته ومكانته، بل سعى لإبعاده عن المشهد، وكذلك أغفل دور رئيس المحكمة الدستورية كأحد الخيارات الهامة والأساسية في ملء الفراغ الدستوري في حال شغور موقع الرئيس.

مع أن الأساس في هذه الحالة أن يتولى هذا الموقع رئيس المجلس التشريعي، أو المجلس الوطني، وهذا لا يتناقض مع وجود نائب رئيس، وكل ذلك أدخل عباس في دوامة الأسئلة المثارة حول عدم مشروعية إعلانه.

كابوس البرغوثي يؤرق مضاجع عباس وحسين الشيخ

يمنح الإعلان الجديد حسين الشيخ مزيداً من ترسيخ مكانته، وتعزيز حظوظه في أي انتخابات قادمة، في حال إجرائها، مع العلم أن تعيين نائب لعباس كان مثار نقاش منذ سنوات طويلة، في ظل تقدم عباس في العمر، ويُعتبر رسالة على أن السلطة لا تتخلى عن وجودها ودورها في غزة.

وتستجيب لطلبات الإصلاح والتغيير الدولية، لاسيما الأمريكية والإسرائيلية منها، خاصة وأن الإعلان تزامن مع شكوك أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية أن يكون لعباس دور في قيادة القطاع.

وتزامن الإعلان مع تقارير متزايدة بشأن قرب الإفراج عن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مروان البرغوثي، من سجون الاحتلال الإسرائيلي، لأن استطلاعات الرأي تشير دائماً إلى أنه منافس قوي لمحمود عباس.

ولذلك فقد استبق الأحداث بتعيين منافس آخر له، وهو الشيخ، الذي يرى في البرغوثي كابوساً مخيفاً، لاسيما وأن ترامب أعلن أنه يدرس إطلاق سراحه، ربما استجابة لمطالب إقليمية ضالعة في ترتيبات "اليوم التالي" للساحة الفلسطينية.

عضو المجلس الثوري لحركة فتح، والسفير السابق، عدلي صادق، أكد أن إعلان عباس تأكيد على سياسته المعتادة بتعليق العمل بالدستور والقانون الأساسي، واستمراء خروقاته عبر إصدار المراسيم، التي تتصف جميعها بعدم الدستورية، لكن الحاصل فعلاً أنه يسعى لما وصفه بـ"التذاكي"، وينزلق إلى حفرة "غباء أعمق، وتتكشّف مقاصده".

لأن الإعلان يكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن كابوس البرغوثي، الذي يتعرض لمحاولات التشويه، يعطي التفسير الواضح لما يمكن وصفها بالمراسيم اللادستورية، و"تخريجاته الكيدية الغرائزية"، التي ينتحل من خلالها صفة الوصيّ على الشعب الفلسطيني ومستقبله السياسي.

حسم الإعلان الجدل القائم حول "اليوم التالي" لرحيل عباس، بعد أن تداولت الأوساط الفلسطينية فرضية مفادها تقاسم تركته بين عدد من نوابه البارزين، لكن الإعلان الأخير أنهى هذا الجدل تماماً، وجعل كل تركته تؤول إلى الشيخ وحده.

فيما يمكن وصفه بـ"توريث شامل"، بما يشبه تعيين ولي العهد في الأنظمة الملكية، أي أننا أمام تجاوز دستوري خطير، وقفزة عن كل الأطر القانونية والسياسية التي تنظّم انتقال السلطة في النظام الفلسطيني، واستمراراً في التهرب من تداول السلطة من خلال الانتخابات.

حسين الشيخ خلال اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن / وفا
حسين الشيخ خلال اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن / وفا

إعلانات رئاسية متناقضة وعلاقتها بوضع عباس الصحي

ربط إبراهيم أبراش، وزير الثقافة السابق، هذا الإعلان بعدّة مراسيم رئاسية متلاحقة، وأحياناً متناقضة، أحدثت إرباكاً في الساحة الفلسطينية، وكأن عباس في سباق مع الزمن، وتحت ضغوط متعددة المصادر تفرض عليه هذه العجلة. وفي هذا السياق، يمكن افتراض عدة أسباب وراء هذا الإعلان:

  • ضغوط دولية لإدخال إصلاحات على السلطة، وعباس يعتقد أن هذه القرارات والمراسيم قد تلبي مطالب الخارج، بينما مفهوم "الخارج" يتمثل في إبعاد شخصيات غير مرغوب فيها من قِبل إسرائيل وواشنطن، وفرض شخصيات أخرى.
  • عامل السن، فوصول عباس إلى 90 سنة، ووضعه الصحي يُضعف قدرته على متابعة القضايا المتعددة والمتشابكة، ولا يُخفي تخوفه من حدوث صراع على خلافته بين مراكز القوى، وبالتالي يريد حسم أمر خلافته للشيخ المقبول من الأطراف الخارجية، والمضمون ولاؤه لعباس وأولاده، رغم أنه مثير للجدل داخل فتح والأوساط الشعبية، ولا يحوز كاريزما القيادة والزعامة.
  • التخوف مما يتم ترتيبه من طرف ترامب ونتنياهو ودول عربية بعينها لتغيير القيادة والنظام الفلسطيني، وتجاوز عباس ومنظمة التحرير والسلطة ونخبتها، مع أن "شبح" البرغوثي يحوم فوق مقر الرئاسة في المقاطعة.

لا يُخفي الإعلان تجاهله لمنظمة التحرير، أو تأجيل مسألة تفعيلها، وتراجع عن الحماسة حول الدولة الفلسطينية، وعودة التركيز على السلطة، لأنه يتحدث عن رئاستها فقط، وعدم الوضوح فيما يتعلق برئاسة دولة فلسطين ومنظمة التحرير، إلا إن كان الحديث يُعبّد الطريق نحو تمركز الرئاسات الثلاث في يد الشيخ وحده.

من الناحية القانونية، يطرح الإعلان ملاحظات نقدية مهمة، لأنه يمنح عباس بشكل مطلق صلاحيات واسعة، مع محدودية الرقابة في ظل الانقسام المؤسسي الطويل الأمد، وتراجع قدرة المجلس التشريعي على ممارسة دوره الرقابي.

كما أن الانقسامات الداخلية السياسية والجغرافية على مستوى المؤسسات السيادية، التي أثّرت على قدرة السلطة على إدارة الشؤون العامة، تزيد من صعوبة تطبيق الإعلان بشكل سلس، خاصة في سياق ما أعقب الحرب على غزة من تحولات إقليمية وسياسية تزيد من حالة الطوارئ والفوضى، وتدخلات الاحتلال الفجّة في القرار الفلسطيني مدعوماً بغطاء أمريكي.

واصل يوسف، عضو اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير، اعتبر أن اختيار الشيخ لشغل منصب الرئاسة في حال شغوره لسبب طارئ، يأتي في إطار الحفاظ على المنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، في ضوء استهدافها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، واستباقاً لما يمكن أن يشكّل فراغاً دستورياً في موقع الرئيس، بحيث يكون الموقع مشغولاً بنائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، كونه أعلى رتبة تنفيذية في الوضع الفلسطيني ككل.

يأتي الإعلان نتيجة لتراكم طويل لأزمة تعثّر تداول السلطة في الساحة الفلسطينية، وغياب آلية دستورية واضحة تضمن انتقالاً سلساً للقيادة، ولذلك قد يُفاقم من أزمة الشرعية، ويزيد الشكوك في نزاهة أي عملية انتخابية مستقبلية، ما لم تُسبَق بإصلاحات تُعيد بناء الثقة في النظام الفلسطيني.

تخبّط القيادة وهندسة الخلافة دون شرعية

يصف القانونيون إعلان عباس بـ"غير الشرعي"، وقد يكون قراراً يُعبّر عن أزمة عميقة في القيادة، أو ينفّذ أوامر واشنطن، وهو الذي رأى بعينه كيف أنها، هي ذاتها، طلبت من ياسر عرفات الإتيان به رئيساً للوزراء، وبالتالي "فإننا نعيش في مرحلة خطيرة جداً، والقرار لا يقوم على أي شرعية، ولا أي نظام أو قانون، مما يعكس حالة من التخبط في القيادة، ويكشف عن خلط بين مناصب رئيس السلطة والدولة ومنظمة التحرير".

حركة المقاومة الإسلامية "حماس" انتقدت الإعلان الدستوري لعباس بشدة، ووصفته بأنه "تعقيد لإمكانية إصلاح النظام السياسي"، وأن التغييرات التي يُجريها عباس تسببت بتشويه عميق للنظام السياسي، لأنها تمّت بشكل منفرد ومخالف للقانون الأساسي، وبعيداً عن التوافق الوطني.

مدير البحوث والسياسات بمركز (مسارات) لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، خليل شاهين، أكد أن الإعلان يُمثّل استكمالاً من عباس لإجراءات وإعلانات سابقة لهندسة دستورية لخلافته، وتحديداً في سياق يصب في مصلحة الرجل الأبرز، وهو حسين الشيخ، فقد قطع الطريق على أي منافس له.

لكن الأساس لكل ذلك هو الموالاة السياسية للرئيس نفسه، تكريساً لسياسة التفرد التي انتهجها في السنوات الأخيرة، وقد أصدر هذا الإعلان "المناورة" لتخفيف الضغوط الخارجية، وترتيب مؤسسة الرئاسة لليوم التالي لغيابه، لأنه يحول دون إجراء الانتخابات.

وكان الأَولى، يقول شاهين، إصدار مرسوم لإجرائها، بل إنّ عملية توريث صلاحيات الرئيس المركبة بمناصبه المتعددة رئيساً: للسلطة، وللمنظمة، وفتح، والأخطر من ذلك، هو تقنين وشرعنة سياسة الإقصاء، وعدم السماح بدخول قوى سياسية للنظام السياسي ما لم تكن موالية للرئيس، وتوافق على التزامات السلطة، بما فيها اتفاقية أوسلو.

قيادي فلسطيني تابع عن كثب إجراءات إصدار الإعلان، أكد لـ"عربي بوست" أنه "صدر في ظل غياب الأفق لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، صحيح أنه هدف إلى منع حدوث إشكالات سياسية داخل النظام، وضمان استمرارية الحكم، لكن الدوران في ذات الحلقة من الشخصيات المستهلكة يعني أن ظاهرة الشيخوخة باتت تصيب مختلف مفاصل النظام السياسي الفلسطيني".

وأشار القيادي الفلسطيني إلى أن الإعلان الدستوري "لا يتعلق بتعيين حسين الشيخ بعينه، بل بطريقة إدارة النظام السياسي وآليات اتخاذ القرار، ويعطي انطباعاً بقرب انسحاب عباس من المشهد السياسي لصالح الشيخ، لأن ما يجري يبدو تحضيراً لمرحلة انتقالية مرتقبة".

علاقة الإعلان باليوم التالي في قطاع غزة

يُؤكد الإعلان أن السلطة باتت محصورة في يد عباس، لأن غياب التوازن بين المؤسسات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، جعل جميع الصلاحيات مركزة في موقع واحد، ما أفقد السلطة مرونتها، وقدرتها على اتخاذ قرارات جماعية.

ورغم أن القناعة السائدة في الساحة الفلسطينية تؤكد أن الإعلان جاء استجابة لضغوط خارجية، فإن محمود الهباش، مستشار عباس، نفى هذه الضغوط، زاعماً أن الإعلان جاء "لتحصين النظام السياسي، وتأمين انتقال منظم للسلطة".

وزعم أن الإعلان "استجابة لاعتبارات فلسطينية بحتة، وليست نتيجة لضغوط خارجية، لأن عملية إصلاح السلطة مستمرة، وتأخذ أشكالاً مختلفة بهدف الوصول لأفضل مستوى ممكن من الأداء الحكومي، وأن الإعلان يأتي في نطاق تأمين النظام السياسي في حال شغور منصب الرئيس".

كما يرتبط الإعلان بالتحضيرات لمرحلة ما بعد الحرب على غزة، حيث ترغب السلطة بتولي إدارتها، وهو جزء من الخلافات الراهنة بين الفصائل والسلطة، لأن عودتها إلى غزة لا ترتبط فقط بالبنية الداخلية للنظام السياسي، بل أيضاً بعوامل خارجية تتعلق بموقف حماس وقبولها بذلك، وبمواقف إسرائيل والولايات المتحدة.

ولذلك، يتيح الإعلان الجديد تفويض الشيخ بصلاحيات محددة أو موسعة في قطاع غزة تحديداً، في إطار سعي السلطة لتثبيت حضورها هناك.

لم يأتِ الإعلان الأخير لعباس منقطعاً عن سابقه من إعلانات دستورية سابقة، في محاولة لتجسيد تفرده بالسلطة، وبدأها بسنّ القوانين بقرارات، لأنه بين 2007 و2025، أصدر عباس 500 قرار بقانون، أما المجلس التشريعي الأول بين 1996 و2006، فلم يُقرّ سوى 87 قانوناً فقط، ما يعني أن مراسيم عباس تعادل 60 عاماً من التشريع.

لكن هذه القرارات مُنعدِمة دستورياً، لأنها وُلدت ميتة دستورياً، وتأتي ضمن خطة ممنهجة، وليست وليدة مطالبات بالإصلاح، لأن الإعلان يجب أن يخرج بوسائل ديمقراطية، ومن خلال هيئة تأسيسية واستفتاء شعبي، ولكن أن تخرج من عباس، فهذا ما يحدث في الأنظمة الدكتاتورية فقط.