تشهد منطقة المثلث الحدودي في السودان ومصر وليبيا، في الأسابيع الأخيرة، تطورات ميدانية وسياسية مستمرة، تثير تساؤلات عن أهمية هذه المنطقة، وتأثيرها على مسار الحرب في السودان، لا سيما مع اتهامات الجيش السوداني لقوات تابعة لخليفة حفتر في ليبيا، بتقديم دعم عسكري لقوات الدعم السريع هناك.
وكان الجيش السوداني اتهم كتيبة سبل السلام الليبية التابعة لخليفة حفتر بالتسلل إلى أراضي السودان ودعم قوات الدعم السريع في هجوم وصفه بالعدواني.
شهدت بعد ذلك منطقة المثلث الحدودي معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وأسرى، دون تفاصيل دقيقة عن أرقامهم.
بحسب مصادر من الجيش السوداني لـ"عربي بوست"، فإن "قوات الدعم السريع تحركت من الكفرة الليبية بدعم لوجستي إماراتي عبر طائرات نقلت قوات من نيالا بجنوب دارفور إلى ليبيا، ثم إلى المثلث الحدودي لمهاجمة القوات المشتركة التابعة للجيش في جبل العوينات، تحت غطاء من حفتر الذي نفى هذه الاتهامات".
في حين لم تعلق الإمارات على اتهامات الجيش السوداني لها بدعم قوات الدعم السريع في تلك المنطقة أو غيرها داخل السودان، في المقابل سبق أن أعلن مجلس السيادة في السودان، قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات في 6 مايو/أيار 2025، على خلفية اتهامها بتقديم دعم لقوات الدعم السريع خلال الحرب، في حين نفت أبو ظبي تورطها في حرب السودان أو تزويد أي طرف بالسلاح والدعم.
الأهمية الاستراتيجية للمثلث الحدودي
المثلث الحدودي المذكور يطلق عليه أيضاً "مثلث العوينات" بسبب قربه من جبل العوينات في تلك المنطقة، وهي تُعدّ ذات أهمية جيوسياسية واستراتيجية كبيرة كونها تربط السودان ومصر وليبيا، ولها أبعاد أمنية واقتصادية عدة.
الأهمية العسكرية: يُشكل المثلث بوابة للولاية الشمالية في السودان، وممراً حيوياً لإمداد القوات المشتركة من شرق وشمال السودان إلى دارفور، بحسب المصدر العسكري لـ"عربي بوست".
وأشار إلى أن سيطرة الدعم السريع عليه تعزل القوات المشتركة التابعة للجيش السوداني في المنطقة الحدودية الشمالية عن القوات التابعة للجيش في ولاية كردفان، خاصة بعد سيطرة الدعم السريع على مناطق أم كدادة، والنهود، والخوي، والدبيبات.

الأهمية الاقتصادية: أوضح البروفيسور المساعد في الاقتصاد بجامعة كسلا السودانية، د.عادل إدريس محمد علي، لـ"عربي بوست"، أن هناك أهمية اقتصادية للمثلث الحدودي رغم كونه صحراء قاحلة لا توجد بها مستوطنات بشرية كبيرة، ولكن، يتطلب الأمر للاستفادة من الإمكانيات هناك، تنسيقاً أمنياً واقتصادياً مكثفاً بين الدول الثلاث، وتضافر الجهود لمكافحة الأنشطة غير المشروعة، وتوفير بيئة مستقرة جاذبة للاستثمار والتنمية.
وقال إن هناك اعتقاداً بوجود ثروات معدنية وموارد طبيعية فيها لم تستغل بعد، ما يجعل المنطقة ذات أهمية اقتصادية على المدى البعيد، بالإضافة إلى كونها منطقة مرور للطرق الصحراوية، ومسارات التهريب والهجرة، وهذا النشاط يسمي الاقتصادي الخفي، على حد وصفه.
وأوضح أن الأسباب الرئيسية للأهمية الاقتصادية والجيوسياسية للمثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر،:
1. الموارد الطبيعية الغنية:
في مقدمتها الذهب: إذ تُوصف هذه المنطقة بـ "المثلث الذهبي" لاحتوائها على كميات كبيرة من الذهب الخام، خاصة حول جبل العوينات، لكن لا توجد تقديرات بكميات الذهب في المثلث الحدودي.
المياه الجوفية: تضم المنطقة جزءاً من أكبر مخزون للمياه الجوفية في العالم، وهناك اتفاقات بين الدول الثلاث (بالإضافة إلى تشاد) للاستفادة المثلى من هذا المخزون، مع عدم وجود أرقام واضحة حول المياه الجوفية هناك، إلا أنها تقدر بكميات كبيرة، توصلت الدول الثلاث إلى الاتفاق للاستفادة العادلة بينها من تلك المياه الجوفية.
معادن أخرى: يُعتقد أن المنطقة تحتوي على معادن أخرى لم تُكتشف بعد، مما يعزز إمكاناتها الاقتصادية المستقبلية، بحسب الدكتور عادل علي.
2. الموقع الجغرافي الاستراتيجي:
منفذ تجاري: لطالما كانت المنطقة منفذاً تجارياً واقتصادياً لتلك الدول، خاصة في تجارة الإبل بين السودان وليبيا.
بوابة للتكامل الإقليمي: بحسب الخبير الاقتصادي عادل علي، يمكن أن تكون منطقة المثلث الحدودي نقطة ارتكاز لتنشيط التجارة الحدودية وتيسير حركة الأشخاص والبضائع بين الدول الثلاث، ما يمهد لمشاريع تكامل اقتصادي أوسع.
3. فرص التنمية والاستثمار:
لفت الخبير الاقتصادي، إلى أن هناك مشاريع عدة طرحت سابقاً في منطقة المثلث الحدودي، إذ طرحت مصر مقترحاً لتنمية المناطق الحدودية المشتركة، أُطلق عليه "المثلث الذهبي"، يهدف إلى إقامة مشروعات عملية في مجالات الصناعة، الزراعة، الطرق، البنية التحتية، والطاقة.
هذه المشروعات من شأنها أن تخلق فرص عمل وتشجع الاستثمارات بين الدول الثلاث.
الربط البري:
وأضاف أن هناك مشاريع مقترحة للربط البري، مثل مشروع الربط البري بين مصر وليبيا وتشاد، الذي يمكن أن يسهل حركة التجارة والنقل، إلا أنه لم ير النور بعد.
كذلك الاستفادة من الكوادر، إذ يمكن الاستفادة من الخبرات والعمالة الماهرة من الدول الثلاث في إقامة مشاريع مشتركة، مع إمكانية جذب تمويل إقليمي ودولي، بحسب الخبير ذاته، الذي أوضح أن المشاريع بين الدول الثلاث لم تتحول إلى اتفاقيات بعد، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية في تلك الدول.
الخبير الاقتصادي عادل علي، طرح عدداً من التحديات لتحويل تلك المشاريع إلى حقيقة:
– غياب السيطرة الأمنية: إذ تعاني المنطقة من طبيعة جغرافية صعبة وترتيبات أمنية هشة، ما يجعلها عرضة لاستغلال الكيانات المسلحة والمليشيات في أنشطة التهريب (أسلحة، بشر، ذهب).
– الصراعات المستمرة: خاصة في السودان وليبيا، تؤثر سلباً على استقرار المنطقة، وتعيق أي جهود تنموية.
جبهات ومراحل القتال وخريطة النفوذ في السودان
تشهد خريطة القتال في السودان تغيرات بعد انتصارات حققها الجيش السوداني مؤخراً، ضد قوات الدعم السريع، مقابل تمكن الأخير من فتح جبهات جديدة، أبرزها المثلث الحدودي في الولاية الشمالية.
كذلك تشهد مناطق كردفان ودارفور، غربي البلاد، أعنف المواجهات، بعد انتصارات الجيش الأخيرة في العاصمة الخرطوم ومدنها الثلاث (الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان) في 20 مايو/أيار 2025، وتمكنه من طرد قوات الدعم السريع من آخر معاقلها في منطقة الصالحة جنوب أم درمان، التي كانت تحت سيطرتها منذ اندلاع الحرب.
عن مراحل القتال، سبق أن أعلن الجيش السوداني أنه يقوم بعملياته العسكرية وفق مراحل محددة، بدأ أولها في 15 أبريل/نيسان 2023، باستراتيجية السيطرة على جبل موية، ما مكّنه من القضاء على القوة الأساسية للدعم السريع هناك.
أدى ذلك إلى استعادة مناطق في ولايتي سنار والجزيرة، بما في ذلك مدينة ود مدني في يناير/كانون الثاني 2025، قبل الانتقال لاستعادة الخرطوم في المرحلة الثانية في مايو/أيار 2025.
دخل بعدها الجيش السوداني المرحلة الثالثة، كما أعلن في بيان له، ليتقدم غرباً نحو كردفان بعد فك الحصار عن مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان، ليبدأ استعادة مناطق مثل الخوي، بارا، حمرة الشيخ، والنهود.

بحسب المصدر العسكري، فإنه المنطقة التي تدعى "النهود" في شمال كردفان، تُعدّ نقطة استراتيجية حاسمة بالنسبة للجيش، إذ ستفتح استعادتها المجال للمرحلة الرابعة في دارفور، وهي المرحلة الأخيرة، من أجل هزيمة قوات الدعم السريع في كامل البلاد.
تحديات موسم الخريف
أعلن الجيش السوداني إنه يملك خطة يعتزم تنفيذها قبل حلول موسم الخريف، وذلك لسبب يتعلق بوعورة الطرق البرية غير الإسفلتية، وتقتضي التركيز على عودة العمليات العسكرية في كردفان.
لذلك، بدأ الجيش معارك ضارية في كردفان، لتحييد قيادات بارزة في صفوف قوات الدعم السريع التي يقودها محمد دقلو (حميدتي) في كل من مدينة الفاشر ومناطق صحراء شمال دارفور.
وقام الجيش السوداني بإغلاق الحدود البرية مع دول الجوار أمام الدعم الخارجي الذي يصل إلى قوات الدعم السريع، عن طريق ليبيا و تشاد، بحسب المصدر العسكري.
وقالت مصادر أخرى في الجيش السوداني، إن الجيش يسابق الزمن لإتمام عملياته قبل موسم الخريف، بسبب وعورة الطرق البرية غير المعبدة، وأنه السبب الرئيسي وراء ذلك، من أجل تنقل العربات والقوات.
وأكدت أن الجيش سيواصل هجماته للقضاء على الدعم السريع، بعد أن تحولت استراتيجيته مؤخراً من الهجوم إلى الدفاع.
وعن المعارك في كردفان، أوضحت المصادر، أن الجيش السوداني يعتمد على عمليات وحرب مفتوحة، بينما يستخدم الدعم السريع هجمات سريعة ومسيّرات استراتيجية.
بالتوازي مع ذلك، تقدم الجيش السوداني وحلفاؤه في كردفان ما يعكس توجهه غرباً، لكن المعارك تتسم بأسلوب "كر وفر" حتى الآن، بحسب المصادر العسكرية.
وأكدت أن المرحلة الثالثة لعمليات الجيش تستهدف دارفور، حيث أجبر الجيش الدعم السريع على التراجع غرباً بعد هزيمته في الخرطوم، لافتاً إلى أن قوات الدعم السريع تعتمد بشكل كبير على مطار نيالا لإمداداته، حيث تهبط طائرات بانتظام لنقل وتدريب عناصره، في حين سبق للجيش السوداني أن اتهم الإمارات بنقل إمدادات إلى الدعم السريع، بعد تنفيذه قصفاً لطائرة أجنبية في المطار قبل نحو شهرين، في مايو/أيار 2025.
يشار إلى أنه في 15 أبريل/ نيسان 2023، بدأت حرب دامية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح نحو 15 مليون، وفق تقديرات أممية وسلطات محلية.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.